تمكن باحثون في مختبر “بيركلي” الحكومي الأميركي من استكمال أقوى نظام ليزري على الإطلاق لتسريع الجسيمات، ما يخلق فرصاً جديدة في أبحاث مُسرعات الجسيمات مستقبلاً.
ويستخدم علماء الفيزياء أجهزة تعتمد على المجالات الكهرومغناطيسية لتسريع الجسيمات تدريجياً في مسافات تصل لعشرات الكيلومترات.
وحين تصل تلك الجسيمات للسرعة القصوى وتقترب من سرعة الضوء البالغة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، تصطدم ببعضها وتتفتت لجسيمات أصغر.
ويدرس العلماء نتائج هذه العملية للتعرف على خصائص الجسيمات دون الذرية، وعلى سبيل المثال، يقوم مُصادم الهادرونات الكبير في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية “سيرن” بتسريع الجسيمات داخل مسار دائري على الحدود الفرنسية يبلغ طوله نحو 25 كيلومتراً، والذي كلّف إنشاؤه مليارات الدولارات.
وتحتاج العملية لتكاليف تشغيل باهظة، فضلاً عن عمليات صيانة مُعقدة للمسار الدائري، كما تتطلب خبرات كبيرة في مجالات إنشاء وتشغيل المُصادمات، ما يحد من إجراء التجارب ويمنع الدول الأخرى من بناء مُسرعات الجسيمات.
مسرع البلازما بالليزر
على عكس المسرعات التقليدية التي تستخدم الحقول الكهرومغناطيسية لتسريع الجسيمات تدريجياً لمسافات تصل إلى عشرات الكيلومترات، يقوم العلماء في ذلك المشروع بتسريع الجسيمات المشحونة بالمجالات الكهربائية المتولدة بواسطة ليزر عالي الطاقة يتفاعل مع البلازما، ما ينتج عنه ما يُعرف باسم مسرع البلازما بالليزر (LPA).
ويستخدم الفريق شعاع ليزر واحد بقدرة بيتاواط (تريليون واط) لإنتاج شعاع من النبضات القصيرة جداً أو “طلقات” من الضوء بمعدل نبضة واحدة في الثانية، كل منها أقوى بنحو 100 مرة من صاعقة البرق النموذجية.
وعندما يمر شعاع الليزر عبر البلازما (وهي غاز متأين تكون فيه الإلكترونات حرة وغير مرتبطة) فإنه يشكل موجة متحركة، يتم من خلالها دفع الجسيم المشحون الموجود في تلك الموجة إلى الأمام، مثل راكب الأمواج.
وتنتج عن تلك العملية معدلات تسارع تصل إلى ألف مرة أكبر من المسرعات التقليدية، ما يجعل مسرعات البلازما بالليزر مرشحاً واعداً للجيل التالي من المسرعات الأصغر والأقل كلفة.
خط ليزر جديد
وفي المشروع الحالي، قام العلماء بتصميم خط شعاع ليزري ثاني قادر على إنتاج مجموعة واسعة من أحجام الليزر، مع فترات النبض وطاقات متنوعة بشكل مستقل.
وتم تصميم خطي الأشعة خلال هذا المشروع لاستخدامهما جنباً إلى جنب، ما يجعل النظام أداة قوية ومتعددة الاستخدامات لتطوير استخدام المُسرعات في علوم فيزياء الطاقة العالية.
ولإنشاء خط شعاع جديد، قسّم فريق الخبراء جزء من شعاع الليزر الرئيسي ومروره عبر سلسلة من العدسات لتوليد شعاع ثانٍ من نبضات ضوئية قصيرة وقوية يمكن أن تخلق مجالاً ثانياً.
وصُمم النظام لتمكين الفريق من وضع وحدات متعددة من مسرعات البلازما بالليزر من أجل الوصول إلى طاقات الحزمة الإلكترونية العالية اللازمة لمصادمات الجسيمات، باستخدام خط الشعاع الثاني لزيادة تسريع الجسيمات الخارجة من الأولى.
وتشير التجارب الأولية التي أُجريت خلال الأسبوع الماضي إلى صحة ذلك المفهوم.
وفي رؤيتهم طويلة المدى، يقترح الفريق تكديس وحدات إضافية تعمل بالليزر لإنشاء مسرعات ذات طاقات عالية للغاية، ما يتيح للجيل التالي من مُسرعات الليزر بالبلازما اكتشافات فيزيائية بأقل التكاليف، ودون الحاجة لمُسرعات ضخمة تمتد عبر عشرات الكيلومترات.
ويمكن أيضاً استكشاف طرق من شأنها تعزيز كفاءة الطاقة في مُسرعات البلازما باستخدام خطوط الحزمة المزدوجة، عبر حث نبضة ليزر خط الشعاع الثانية على امتصاص أي طاقة متبقية في بلازما خط الحزمة الأولى غير المستخدمة في عملية التسريع ثم إرسالها إلى نظام استعادة الطاقة.
تطبيقات عسكرية وطبية
ومصادمات الجسيمات هي أدوات يستخدمها العلماء لاستكشاف بنية المادة عن طريق تحطيم الجسيمات معاً بطاقة كافية لتفكيكها، ما يساعدنا على فهم مكونات الكون والقوى التي تربطه ببعضه البعض.
والهدف النهائي لخط الأشعة الجديد هو تطوير تقنية تسريع جديدة تمكن المصادمات من الوصول إلى طاقات أعلى.
ويذهب ذلك المجال البحثي إلى ما هو أبعد من فحص المادة المرئية، والتي تشكل في الواقع جزءاً صغيراً من الكون.
إذ أن المادة المظلمة غير المرئية في الكون أكبر بمقدار 5 أضعاف من المادة المرئية على أقل تقدير، وقد تكون مسرعات الطاقة الأعلى قادرة على إنتاج جسيمات المادة المظلمة الثقيلة حتى يمكن دراسة خصائصها.
ويهتم العسكريون أيضاً بهذه التطورات في تكنولوجيا المسرع الجديدة، فالتقنيات الحالية لفحص المواد النووية في الموانئ والمعاهدات النووية والتطبيقات الأخرى محدودة من حيث الدقة.
لكن يمكن استخدام تقنية المسرعات القائمة على الليزر لإنتاج أشعة جاما القابلة للضبط أو الميونات (جسيمات أولية تُشبه الالكترون) عالية الطاقة لاكتشاف المركبات النووية أو المواد الأخرى بدقة، ويمكن أن تتناسب تلك التكنولوجيا مع وحدة صغيرة محمولة يسهل نقلها.
وهناك تطبيق مثير آخر لتسريع الليزر في العلاج الإشعاعي للسرطان، حيث يجد المجتمع الطبي أن الجرعات الأقصر من الإشعاع الأقوى تسبب ضرراً أقل للأنسجة السليمة وبالتالي يمكن أن تحدث أنظمة الليزر هذه ثورة في العلاج الإشعاعي.