لأن طموحات إيلون ماسك كانت دائماً إما أن «يكبر حجمه أو يعود من حيث أتى»، لم تكن أخبار شرائه شركة «تويتر إنك» بالمفاجأة الكبيرة. ولأن تطلعاته بشأن تلك المنصة عظيمة، فإن حلمه ليس شراء «تويتر» لتحسينها فحسب، بل إنشاء «تطبيق يقدم كل شيء»، يفعل للمستخدم كل ما يريده ويحتاجه.
الفكرة لا تتعارض مع العقل، ببساطة لأن هناك كثيراً من «التطبيقات الفائقة» في آسيا منذ فترة طويلة. فهناك أكثر من مليار مواطن صيني يستخدمون رمز الاستجابة السريعة «QR» من خلال تطبيق «WeChat» التابع لشركة «Tencent Holdings Ltd»، للقيام بجميع المهام التي تتخيلها، بدءاً من شراء سلع البقالة إلى حجز موعد مع طبيب الأسنان أو مشاركة الصور مع الأصدقاء أو ممارسة ألعاب الفيديو وانتهاء باستخراج بطاقة هوية صادرة عن الحكومة من خلال التطبيق ذاته.
أمام موظفي «تويتر» في يونيو (حزيران)، وقف ماسك يقول: «أنت تعيش حياتك في الصين على WeChat. إذا تمكنا من إعادة إنشاء ذلك باستخدام (تويتر)، فسنحقق نجاحاً كبيراً».
يمكنك بسهولة أن تلحظ حرص ماسك على نسخ ذلك النموذج. إذا كان حقاً يريد مضاعفة إيرادات «تويتر» خمس مرات لتبلغ 26.4 مليار دولار، فستكون إحدى الطرق هي جعلها جزءاً من منصة تستضيف كثيراً من أنشطة السداد التي يستطيع أن يجنى كثيراً من خلالها. فقد حقق «WeChat» عائدات تقدر بنحو 17.5 مليار دولار في عام 2021، غالبيتها من خلال الإعلانات وعن طريق الحصول على حصة من المعاملات والألعاب وتسليم البضائع وغيرها من الخدمات في سوق الخدمات الرقمية المزدهرة، إذ يستخدم أكثر من نصف مليار شخص آلاف التطبيقات المصغرة داخل «WeChat» يومياً.
يعد تطبيق شركة «Grab»، ومقرها سنغافورة – التي تضم كيانات مثل «سوفت بنك غروب كورب» و«أوبر تكنولوجيز» كأكبر مساهمين فيها – تطبيقاً فائقاً يقدم خدمات نقل الركاب وتوصيل الطعام وتنفيذ المدفوعات الرقمية.
لكن إنشاء تطبيق ممتاز أمر صعب لسبب جوهري، هو أن الأميركيين يقدمون مدفوعات عبر الهاتف الجوال بوتيرة أقل بكثير من نظرائهم الصينيين. ويعود نجاح «WeChat» كمركز تعاملات يومية إلى إطلاقه في الوقت المناسب، تحديداً في عام 2011، عندما كانت مبيعات الهواتف الذكية في الصين تتفجر.
أصبح تصنيع قاعدة مستخدمين جديدة كبيرة مثل «واتساب» أو «فيسبوك» أو «WeChat» أمراً مستحيلاً الآن، وسيكون الأمر أشبه بمحاولة تكرار انفجار نمو نيويورك لتصبح مدينة ضخمة خلال القرن التاسع عشر. لقد مر وقت الازدهار، والشبكات ترسخت بالفعل.
لسنوات طويلة، سعى «وادي السيليكون» لإنشاء تطبيقاته الفائقة الخاصة استناداً لفكرة أن منصة مدفوعات قوية يمكن أن تدعم الخدمات مترامية الأطراف بالطريقة نفسها التي يعمل بها «WeChat Pay». لكن جهود «فيسبوك» لتأسيس خدمات الدفع، بما في ذلك منصة تشفير «ليبرا»، انهارت. وفيما تأتي هيمنة «WeChat» جزئياً من العمل بشكل وثيق مع الحكومة الصينية، فإن شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى لديها علاقة مختلفة تماماً مع المنظمين والدولة، حيث يتصدون لدعوات لتفتيت كياناتهم.
تبدو عمليات التقليص كاستراتيجية مالية حكيمة على أي حال. فقد أغلق «فيسبوك» عدداً من قطاعات الأعمال، فيما تراجع «إنستغرام» عن بعض خدماته بعد انتقادات بتضخم قطاعاته.
إذا كان ماسك عازماً حقاً على السير في هذا المسار، فيمكنه السعي لشراء «PayPal «Holdings Inc، ليغلق الدائرة على نفسه بعد المشاركة في تأسيس «PayPal» منذ أكثر من عقدين من الزمان. فـ«تويتر» ستضيف ميزات إضافية إلى نظامها الأساسي، لذلك ربما تحتاج إلى شراء خدمة مدفوعات شاملة.
لكن جاك دورسي، أحد مؤسسي «تويتر»، كان بإمكانه فعل ذلك عندما كان يقود كلاً من «تويتر» وعملاق المدفوعات «سكوير»، الذي يُطلق عليه الآن «Block Inc». على الأرجح لأنه أدرك أن ذلك لن ينجح، حيث لم يكن المستهلكون الأميركيون مستعدين لاستخدام تطبيقات متعددة المهام، وهو ما أثار جدلاً من النقاشات الموسعة مع المنظمين أيضاً.
على أي حال، قد لا تكون فكرة ذكية لشخص متقلب مثل ماسك أن يشرف على تطبيق يشارك فيه الملايين في التعليقات الاجتماعية والمدفوعات والتسوق وغيرها. فخطوة كهذه من شأنها أن تمنح أغنى رجل في العالم، مستوى جديداً من القوة غير المسبوقة التي قد يكون ماسك نفسه، ونحن أيضاً، في غنى عنها.
رغم امتلاك ماسك لقاعدة جماهيرية عملاقة بفضل شركة «تسلا» وكونه مروجاً ذاتياً بارعاً، فهو أيضاً معروف بوعوده الكبيرة التي لا يفي بها. لذلك، نتمنى أن يكون كل ما ذكرناه مجرد فكرة جديدة سرعان ما تتلاشى كغيرها. لنأمل ذلك.
– بالاتفاق مع «بلومبرغ»