في أوكرانيا وفي الداخل الروسي، لا يبدو أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على موعد مع أي راحة قريبة، فبينما يحقق الأوكرانيون انتصارات على حساب قواته في خاركيف ومدن أخرى، يواجه رأس الكرملين بدعوة غير مسبوقة للاستقالة من منصبه قدمها عدد كبير من المسؤولين المحليين الروس.
يبدو بوتين في أضعف حالاته داخليا منذ توليه السلطة، حيث وقع ما يقرب من 50 نائب بلديةٍ عريضةً تطالب باستقالة بوتين، بزيادة 29 نائبا عن تحرك يوم الإثنين، وفقا لأحد المعنيين الذين تحدثوا لشبكة “سي إن إن”.
وقالت كسينيا ثورستروم، نائبة بلدية منطقة سيمينوفسكي في سانت بطرسبرغ، للشبكة: “لدينا الآن 47 توقيعا تم التحقق منها. لقد توسعت جغرافيتهم بشكل كبير”.
وفي الأسبوع الماضي، دعا نواب بلدية سيمينوفسكي في سانت بطرسبرغ مجلس الدوما في الاتحاد الروسي إلى توجيه اتهامات بالخيانة إلى بوتين من أجل عزله من منصبه بسبب الحرب في أوكرانيا.
والآن يواجه هؤلاء النواب اتهامات بـ “تشويه مصداقية” الجيش الروسي، وفقا لتغريدة لأحدهم، نيكيتا يوفيريف.
وقالت ثورستروم: “أردتُ أنا وزملائي دعم نواب سيمينوفسكي، الذين تم استدعاؤهم مؤخرا إلى الشرطة وسيحاكمون قريبا”.
وجاء في العريضة الجديدة “نحن، نواب البلديات في روسيا، نعتقد أن تصرفات رئيسها فلاديمير بوتين تضر بمستقبل روسيا ومواطنيها. نطالب فلاديمير بوتين بالاستقالة من منصب رئيس الاتحاد الروسي”.
وقالت ثورستروم: “قررنا أن نجعل طلبنا قصيرا جدا بحيث لا يكون هناك سبب كاف للعثور على أي خطأ فيه من السلطات وحتى يوقع أكبر عدد ممكن من نواب البلدية على العريضة”.
وتأتي العريضة في أعقاب أول انتخابات إقليمية وبلدية في روسيا منذ بداية الحرب، والتي حقق فيها المرشحون المؤيدون للكرملين نجاحا ساحقا.
ونشر مؤلف الدعوة الأولى، ديمتري باليوغا، على تويتر، بيانا يقول إن بوتين كان مسؤولا عن “إهلاك الشباب الروس القادرين جسديا الذين سيخدمون القوى العاملة بشكل أفضل من الجيش، الانكماش الاقتصادي وهجرة الأدمغة في روسيا، توسع الناتو شرقا، بما في ذلك إضافة فنلندا والسويد والتأثير المعاكس للعملية العسكرية الخاصة” في أوكرانيا.
ونشر باليوغا وزميله النائب نيكيتا يوفيريف في وقت لاحق على تويتر استدعاء أصدرته لهما شرطة سان بطرسبرغ بسبب “تشويه سمعة المؤسسة الحاكمة”.
وذكرت باليوغا في وقت لاحق أن الشرطة أفرجت عن اثنين من النواب الأربعة الذين تم استدعاؤهم ومن المتوقع أن يواجهوا جميعا غرامات.
“دولاب الهواء” الروسي
ويواجه الجيش الروسي عقبات ومشاكل في أوكرانيا، بعد الهجوم المستمر منذ بداية سبتمبر الحالي، والذي تقول كييف إنه أعاد لها نحو 6 آلاف كلم من الأراضي.
وبينما كانت القوات الروسية تهرب من أمام القوات الأوكرانية في منطقة خاركيف، السبت، كان بوتين “أصماِ” أمام ما يحدث وفقا لتعبير الصحيفة، التي ذكرت أنه افتتح “دولاب هواء” عملاق في موسكو، وأنه تباهى قائلا: “لا يوجد شيء مثل هذا في أوروبا”.
بعد ساعات، تعطل دولاب الهواء العملاق، بحسب الصحيفة، وسادت الفوضى بين الناس الذين طالبوا باستعادة أموال التذاكر التي دفعوها، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست”.
وفيما يجري العمل على إصلاح الدولاب، تقول الصحيفة إن “إصلاح ما كسر في استراتيجية بوتين الحربية، وبالتالي رئاسته وسمعته، سيكون أصعب بكثير”.
وكان الهجوم المضاد في شمال شرق أوكرانيا جاريا حتى في الوقت الذي أصر فيه بوتين، في مؤتمر عقد في الشرق الأقصى قبل أيام، على أن روسيا “لم تخسر شيئا ولن تخسر شيئا” في الحرب، وهي ملاحظة بدت “متناقضة” مع انتكاسات روسيا المتكررة والخسائر الكبيرة بشكل صادم، وجاهلة بما كان يحدث في ساحة المعركة، بحسب الصحيفة.
وفشل هدف بوتين الأولي، المتمثل في الاستيلاء على كييف وطرد حكومة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي.
والآن، تقول “واشنطن بوست” أن محللي الاستخبارات والجيش الغربيين يستبعدون أن تحقق روسيا هدفها الاحتياطي المفترض، المتمثل في غزو كل من دونيتسك ولوهانسك في شرق أوكرانيا.
وبافتراض أن هدف بوتين ينطوي على القدرة على إعلان النصر بشكل ما، فإن الانسحاب الروسي الفوضوي من خاركيف، الذي وصفته موسكو بـ “إعادة التجمع”، يترك الآن بوتين أمام خيارات “متقلّصة”، وفقا لتعبير الصحيفة.
وتقول الصحيفة إن بإمكان بوتين الإعلان عن تعبئة عسكرية إلزامية وطنية محفوفة بالمخاطر السياسية، وأن يرسل جنودا مدربين تدريبا سيئا ومحبطين بشكل متزايد إلى المعركة ليطحنوا، أو أن ينفذ هجمات مدفعية وحشية على البلدات والمدن لإرهاب السكان الأوكرانيين.
ورجحت أن يقوم بوتين بالتصعيد بصورة متطرفة، كما يخشى بعض أشد منتقدي بوتين، كأن يلجأ إلى الأسلحة الكيميائية أو حتى النووية.
وحتى الآن، بذل بوتين كل ما في وسعه لتجنب التعبئة الإلزامية (التجنيد الإلزامي)، التي تخاطر بإثارة معارضة شعبية أوسع للحرب، على الرغم من أن العديد من الخبراء العسكريين الروس يعتقدون أنه لا توجد طريقة أخرى لهزيمة أوكرانيا عسكريا.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن استبعاد نشر سلاح دمار شامل، إلا أن العديد من الخبراء يقللون من شأن المخاوف من قيام بوتين بذلك، لأنه سيدمر دعمه الدولي المتضائل مع شركاء مهمين مثل الصين والهند، ولأنه سيقوض جهوده لنقل الشعور بالحياة الطبيعية إلى الروس، وفقا لمحللين تحدثت إليهم الصحيفة.
ويبدو الجانبان غير مستعدين لمناقشة السلام. وقال ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، يوم الإثنين، إن الحرب لن تنتهي دون “الاستسلام التام” لكييف.
وفي الوقت ذاته، يتحدث زيلينسكي بجرأة متزايدة عن استعادة ليس فقط كل منطقة دونباس الشرقية، ولكن أيضا شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا بشكل غير قانوني في عام 2014.
وبعد أن اعترفت روسيا بالانسحاب يوم السبت، أشار حليفه الزعيم الشيشاني، رمضان قديروف، إلى أن بوتين قد لا يكون على دراية بالأخطاء التي ارتكبت، وسيتعين عليه الاتصال بالرئيس نفسه لمناقشة الوضع.
“مضطر للتحدث عن حقيقة الأمور”.. حليف بوتين في انتقادات نادرة لروسيا
وجه الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، انتقادات نادرة للجيش الروسي بعد الخسائر التي تعرض لها إثر الهجوم المفاجئ الذي شنته القوات الأوكرانية مؤخرا
وزعمت وزارة الدفاع الروسية، السبت، أن “إعادة التجمع” تمت دون خسارة واحدة لروسيا، ومع مقتل حوالي 4000 أوكراني، وهي تأكيدات تبدو غير منطقية.
وقال محللون إن معظم الروس العاديين الذين لم يعودوا يولون اهتماما كبيرا للحرب لم يكونوا على الأرجح على دراية بالتراجع الكبير. ولكن إذا واجهت روسيا المزيد من الانتكاسات، فإن الغضب ضد المتشددين المؤيدين للحرب يمكن أن يشتد، وسوف يرتفع الوعي العام، ومعه الضغط على بوتين.
ومع ذلك، يبدو أن بوتن يتمسك بعناد بنفس الاستراتيجية، معتمدا على قناعته بأن الدعم الغربي لأوكرانيا سوف ينهار، وفقا للصحيفة.
مزيد من الأدلة على وحشية روسيا
وفي الوقت الذي كانت فيه القوات الأوكرانية تعد سرا هجوما مضادا لطرد الجنود الروس المحتلين من منطقة خاركيف، كانت موسكو متأكدة جدا من سيطرتها على الأراضي لدرجة أنها بدأت في فرض المناهج الروسية في بعض المدارس، وفقا لتقرير آخر من “واشنطن بوست”.
ومع عودة تلك الأرض وتلك المدارس إلى سلطة الجيش الأوكراني بعد التقدم السريع هذا الشهر قالت أوكرانيا إنها اعتقلت معلمين روس تركهم الجنود الروس المنسحبون وراءهم.
وهم يواجهون عقوبة السجن لمدة تصل إلى 12 عاما بتهمة انتهاك قوانين وأعراف الحرب، وفقا لنائبة رئيس الوزراء إيرينا فيريششوك.
وفي مراكز الاحتجاز الروسية، داخل الغرف المظلمة والضيقة في مركز الشرطة في مدينة بالاكليا المحررة حديثا في شمال شرق أوكرانيا، ترك السجناء الذين احتجزتهم قوات الاحتلال الروسية لأسابيع وراءهم أدلة حول معاملتهم.
فقد أظهرت الخدوش على الجدران عدد الأيام التي سجنوا فيها، وربطات السحاب المتناثرة على الأرض، والكراسي المصطفة أمام جدار الطابق السفلي أظهرت المكان الذي ربما تم استجوابهم فيه أو ما هو أسوأ.
ويقوم المحققون بالفعل بتمشيط أكوام الأدلة التي تخلت عنها تلك القوات في مغادرتها المتسرعة، واستجواب الشهود والضحايا وهم يبدؤون في إعادة بناء الحوادث لبناء قضايا جرائم حرب محتملة ضد الغزاة. إنهم يضعون علامات على مواقع في مركز الشرطة يشتبهون في حدوث جلسات تعذيب. كما أنهم يجمعون بصمات الأصابع من زجاجات الخمور الفارغة هناك.
وفي يوم الثلاثاء، وهو اليوم الأول الذي سمح فيه للصحفيين بالوصول إلى بالاكليا، تم استخراج جثتي رجلين من قبر مؤقت في المدينة. وقال المحققون إن القوات الروسية أطلقت النار على الاثنين وقتلتهما الأسبوع الماضي.
واعترفت موسكو باعتقال معلمين لكنها قالت إنهم متعاونون أوكرانيون وليسوا مواطنين روس.
وفي جميع أنحاء منطقة خاركيف، يتكيف المدنيون الذين نجوا من الهجوم الآن مع واقعهم الجديد، وقالوا إن القتال تصاعد الأسبوع الماضي لكن القوات الروسية سرعان ما أدركت أنها لا تملك فرصة. وقالوا لصحيفة “واشنطن بوست” إن الصمت المفاجئ وعدم وجود قصف يكاد يكون غريبا.
ومع إعادة تأكيد كييف سلطتها على تلك المدن والقرى المحررة، أصبحت خطط الكرملين لضم الإقليم واضحة بشكل متزايد من تشكيل ما سيتعلمه الشباب الأوكرانيون، وخاصة عن تاريخ بلادهم، إلى إعداد استفتاءات.
بالمقابل أجلت روسيا خططها لتنظيم استفتاءات كمقدمة لضم المناطق إليها.
وتنقل الصحيفة عن مواطنين في المنطقة قولهم إنه عندما أدرك الروس الأسبوع الماضي مدى سرعة تقدم القوات الأوكرانية عبر المنطقة، بدأ الجنود في الركض بسرعة كبيرة حتى أن “سراويلهم كانت تطير”، كما تتذكر إيرينا شميل (55 عاما)، التي عاشت خلال الاحتلال في فيربيفكا لعدة أشهر.
وقالت إن القوات الروسية احتجزتها هي وزوجها تحت تهديد السلاح الأسبوع الماضي للمطالبة بمفاتيح حافلتهما الصغيرة حتى يتمكنوا من الفرار.
وقالت المخابرات البريطانية يوم الإثنين إن جيش دبابات الحرس الروسي الأول، أحد أعرق الوحدات في جيش البلاد، كان جزءا من القوات التي انسحبت من منطقة خاركيف بعد أن تكبد “خسائر فادحة” في وقت سابق من الحرب.
وقالت وكالة الاستخبارات على تويتر “القوة التقليدية الروسية المصممة لمواجهة حلف شمال الأطلسي ضعيفة للغاية”. ومن المرجح أن يستغرق الأمر سنوات حتى تتمكن روسيا من إعادة بناء هذه القدرة”.
مزيد من الأسلحة
وتتطلع القوات الأوكرانية إلى تحقيق أقصى قدر من المكاسب من هجوم سريع في منطقة خاركيف شمال شرق البلاد، مما يجعل هناك حاجة لدفعة دبلوماسية للحصول على المزيد من الأسلحة وتعميق العلاقات الأمنية مع الحلفاء الغربيين، وفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال”.
وقال أحد كبار مساعدي زيلينسكي وأندرس فوغ راسموسن الرئيس السابق لمنظمة حلف شمال الأطلسي، يوم الثلاثاء، إنهما يعكفان على صياغة اقتراح لتعزيز العلاقات بين كييف وحلفائها الغربيين بهدف ضمان تدفق الأسلحة والاستخبارات والمساعدات المالية والتدريب إلى البلاد.
وذكرا أن الوثيقة لن تتضمن التزاما مشابها للمادة 5 من حلف الناتو، التي تتطلب من الحلفاء التدخل عسكريا إذا تعرض أحد الأعضاء للهجوم، وبدلا من ذلك، قال المسؤولون إن الوثيقة مصممة على غرار الضمانات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، مما يضمن أن يكون تدفق الدعم ثابتا ولا يتزعزع، وفقا لما نقلته الصحيفة.
وقال ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، إنه إذا استمر الغرب في إرسال أسلحة إلى أوكرانيا “عاجلا أم آجلا ستنتقل الحملة العسكرية إلى مستوى آخر”.
وتظهر الدبلوماسية كيف تحاول كييف الاستفادة من مكاسبها الأخيرة في ساحة المعركة لتعميق العلاقات مع داعميها الغربيين، وفقا لتعبير “وول ستريت جورنال”.
وتعرضت أوكرانيا لضغوط لإظهار علامات ملموسة على التقدم قبل انخفاض درجات الحرارة، عندما ستختبر إمدادات الغاز الطبيعي الروسي المتضائلة اقتصاد أوروبا ووحدتها السياسية.
ومنذ بدء هجومها في وقت سابق من هذا الشهر، قالت أوكرانيا إنها استعادت نحو 9 آلاف كلم مربع من الأراضي من قوات موسكو في منطقة خاركيف، مما منح روسيا أكبر انتكاسة منذ غزوها في فبراير. وهذا أكثر من 1/10 من جميع المناطق التي اكتسبتها روسيا واحتفظت بها منذ الغزو.
ووسط المستجدات الأخيرة، قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، الثلاثاء، إن أوكرانيا تحرز تقدما كبيرا في الوقت الذي تدفع فيه القوات الروسية للتراجع، لكن من غير الممكن معرفة ما إذا كانت الحرب تمر بنقطة تحول.
وردا على سؤال بشأن ما إذا كانت أوكرانيا قد وصلت إلى نقطة تحول في المعارك، قال: “السؤال بلا إجابة. من الصعب الإجابة عليه. من الواضح أن الأوكرانيين حققوا تقدما كبيرا. لكنني أعتقد أنها (الحرب) ستكون طويلة”.