التخطي إلى المحتوى

تحدث الروائي السوداني الدكتور أمين تاج السر عن تجربته الروائية في ندوة حوارية نظمتها مؤسسة عبد الحميد شومان مساء امس الأحد في مقر منتدى شومان الثقافي.

وفي الندوة التي حضرها سفير السودان لدى الأردن حسن سوار الدهب، وأدارتها أستاذة الأدب والنقد في جامعة البترا الدكتورة رزان إبراهيم، أشار الروائي تاج السر إلى أنه بدأ يكتب الشعر في صباه المبكر حينما كان في المرحلة المدرسية المتوسطة وثم الثانوية، إذ كتب الشعر العامي والغنائي آنذاك، وحقق شهرة محلية وتغنىت عددا من قصائده، وفي مرحلة التحاقه بكلية الطب في القاهرة ومتابعته دراسة الطب هناك، تحول الى كتابة الشعر باللغة العربية الفصحى.

ولفت الى انه التقى آنذاك الكاتب المصري عبدالحكيم قاسم الذي جمعته صداقة به آنذاك ونصحه بانه يمتلك موهبة ومهارات الروائي وعليه أن يصبح روائيا،مشيرا الى انه كتب أولى روايته عام 1986 وعنوانها ‘كرمكول’ وهي منطقة في السودان.

وتحدث عن معاناته الأولى في نشر رواية ‘كرمكول’ إذ اضطر إلى رهن ساعته الثمينة والتي أهداه إياها والده، لكي يطبع الرواية ومن ثم قام بنفسه ببيعها الى أن استطاع فك الرهن عن الساعة واستعادتها.

الروائي السوداني تاج السر الذي أفصح أن رواياته كانت محملة باللغة الشعرية أو كما وصفها بعض النقاد بـ’القصيدة الطويلة’ رغم توفر عناصر الرواية من شخصيات وغيرها، بين أنه ابتعد عن هذا الأسلوب الشعري في كتابة الرواية عام 2000، مشيرا الى أن احد النقاد السودانيين وصف ‘رواياته الشعرية’ بـ’الرواية الشبح’. وأرجع ما يشاع عنه بأنه غزير الإنتاج ويكتب سنويا، الى أن الكاتب ولا سيما الروائي يجب أن يكتب بشكل مستمر طالما انه مشروعه هو الكتابة، مستشهدا بأن الكتاب في الدول الغربية يقدمون في كل عام عملا إبداعيا.

والروائي تاج السر الذي اعتبر حضور المحلية السودانية الدائمة في كتاباته رغم غربته بسبب العمل في دولة قطر منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي يعود لنشأته الأولى فيه، إلا أن أعماله الأدبية على محليتها المغرقة تتقاطع في القضايا التي تناولتها مع القضايا الإنسانية العالمية ومنها قضية اللجوء على سبيل المثال.

وفي هذا الإطار نوه بأن السودان يمتلك من البيئة التي تحفز المبدع لاستلهام اعمالا روائية خصوصا ما يتمتع به السودان من طقوس وبيئة مجتمعية متنوعة وسحرية ومقومات غزيرة وثراء ثقافي وحضاري رغم ما تكالبت عليه من محن.

وتحدث عن الرسائل المضمنة في روايته المعروفة ‘366’ الحاصلة على جائزة كتارا للرواية، رائيا أنها ليست بالضرورة تمثل أسلوبية الواقعية السحرية بل لربما تكون اقرب الى ‘الغرائبية’.

وأوضح أن ‘الفنتازيا’ التي يوظفها في رواياته تتجسد في رسم الشخصيات والكلمات، ليتابع انه أحيانا يلتقط أسماء ‘غريبة’ لأناس يلتقيهم في حياته الشخصية وسفراته، أو لاحد مرضاه الذين يتعالجون لديه في عيادته.

ولفت الى تأثره بكتاب أميركا اللاتينية لا سيما الكولومبي غابرائيل غارثيا ماركيث الذي انطلق من المحلية بسحرية طقوسها الى العالمية.

وحول علاقة الطب بالكتابة قال انه ممتن للأدب كما انه ممتن للطب الذي وفر له رحابة واسعة من المعرفة الطبية وظفها في رواياته، مستحضرا حكاية كتابته الأولى عن الأوبئة في رواية ‘ايبولا’ الشهيرة التي قدمته للعالم روائيا معروفا، والتي جاءت ولادتها نتيجة عمله في علاج مرضى فيروس’ إيبولا’ في جنوب السودان وسعيهم لإيجاد وسائل للعلاج آنذاك في المرحلة الأولى من انتشار هذا الوباء، بحيث ان الرواية لمعت عالميا وخصوصا في الموجة الثانية من الوباء وترجمت الى 11 لغة من اللغات العالمية، كما شهدت رواجا خلال مرحلة وباء فيروس كورونا في بدايات صعود الوباء وانتشاره عالميا.

الروائي تاج السر الذي اعتبر أن ثمة أمر يحفز الكاتب على استلهام موضوع رواية ما ويحرك دوافعه نحو ذلك الاتجاه وهو ما حدث في رواية ‘ايبولا’ لم يغلق الباب بأن تراوده تلك الدوافع للكتابة عن الحروب وتداعياتها المؤلمة لا سيما في ظل ما يشهده بلده السودان من نزاع مسلح.

ورأى أن القارئ الغربي ينجذب الى الرواية التي تتضمنها قضية ذات بعد إنساني، كما انه ينجذب الى العوالم التي يجهلها لاسيما تلك ذات الأبعاد الطقسية والسحرية،

وهذا ما يسهم بترجمة أي رواية تحمل تلك المضامين ونقلها الى العديد من اللغات العالمية، مؤكدا أن للخصوصية المحلية دور كبير وهو ما تحقق للروايات التي خرجت من أميركا اللاتينية واشتهرت عالميا.

وحول الأدب السوداني ومحدودية انتشاره، قال إن السودان يحتضن الكثير من الأدباء والكتاب المبدعين لا سيما من فئة الشباب الذين ينتظرهم مستقبل باهر، لافتا إلى أن توظيف مفردات اللهجة السودانية لا يحول دون وصولها الى القارئ غير السوداني، كما أن البعض منهم ليس لديه الرغبة في النشر خارج السودان،نافيا أن يكون الأدب السوداني يتعرض لظلم الغياب والانتشار.

وتحدث خلال الندوة عن طقوسه في الكتابة، مشيرا إلى أنه يكتب يوميا ألف كلمة دون زيادة ليبقي مشحونا في حالة الكتابة، كما تطرق الى تجربته في الإشراف على ورشات الكتابة الابداعية في الرواية ضمن جائزة ‘البوكر’ العربية وجائزة’كتارا’.

وفصل في مفهومي ‘التشخيص’ الطبي و’التشخيص’ في صياغة شخصيات الرواية والعاقة بينهما، موضحا أن للتشخيص الطبي أدواته في البحث عن سبب المرض كما أن ‘التشخيص’ في الكتابة يتطلب كذلك البحث في التاريخ والجغرافيا وغيرها.

كما تطرق إلى موضوعات أدب الرحلات، ومفاهيم التاريخ الحقيقي والمتخيل، والروائي الشفاهي والروائي الكاتب.

وكانت الدكتورة إبراهيم قالت في مستهل الندوة الحوارية ‘لطالما لفتتني ظاهرة الأديب الطبيب، وجعلتني أتأمل لحظات يذهب فيها باتجاه الكلمات بعد أن يكون، قد استمع إلى قصص مرضاه بكل ما تحمله من شجاعة وحزن وفرح وألم وأمل’، لافتة إلى أن التعالق يحضر لدى أعمال تاج السر بين الطب والفنون بقوة،

وأشارت إلى رواياته ‘قلم زينب’ وهي سيرة روائية بأحداث واقعية ممزوجة بالخيال، حيث تدخل عالم طبيب افتتح عيادة صغيرة شرق بورسودان في منطقة شعبية،ينقل لنا مشاكل تخص المستشفيات والمرضى يكون بوسع الطبيب أن يتحدث عنها بعين ناقدة أمينة، ورواية ‘سيرة الوجع’ المنشورة على حلقات في جريدة الوطن القطرية يصبح بإمكانك التعرف على فترة عمله مفتشا طبيا في الحدود السودانية الأرتيرية، وكان فيها الشاهد على الوقائع والأحداث لوباء ‘إيبولا’.

وقالت إنه لا يفوتنا أن الأديب الذي ابتدأ مشواره شاعرا وديوانه ‘ديوان أحزان كبيرة’ ما زال يكتب الرواية دون التخلي عن الشعر، فالشاعر ظل موجودا في منجزه الإبداعي بأشكال مختلفة وفق مقتضيات الموقف.

ونوهت بما يتمتع به الروائي تاج السر من شعرية وحس ساخر والمزج المتقن بين الموت والعشق.

وأمير تاج السر روائي سوداني، عاش فترة من صباه وشبابه ببورتسودان شرق السودان،و درس في القاهرة. يعمل حاليا طبيبا للأمراض الباطنية في قطر،وكتب الشعر مبكرا،و اتجه لكتابة الرواية في أواخر الثمانينيات. حققت أعماله نجاحا لافتا،وحصل على جائزة كتارا في دورتها الأولى عن رواية 366، وبعض عناوينه وصلت القائمتين الطويلة والقصيرة في جوائز عربية مثل البوكر وجائزة الشيخ زايد وأجنبية مثل ‘الجائزة العالمية للكتاب المترجم’ بروايته العطر الفرنسي وروايته إيبولا 76.

Scan the code